فصل: ** دِفْلَى (جمع):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معجم اللغة العربية المعاصرة



.تفسير الآيات (41- 50):

{ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50)}
{ثُمَّ يُجْزَاهُ} أي يُجزى الإنسانُ سعيَهُ يقالُ جزاهُ الله بعملِه وجَزَاهُ على عملِه بحذفِ الجارِّ وإيصالِ الفعلِ ويجوزُ أن يُجعلَ الضميرُ للجزاءِ ثم يُفسَّرَ بقولِه تعالى: {الجزاء الأوفى} أو يبدلُ هو عنْهُ كما في قولِه تعالى: {وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ} {وَأَنَّ إلى رَبّكَ المنتهى} أي انتهاءَ الخلقِ ورجوعَهم إليهِ تعالى لا إلى غيرِه استقلالاً ولا اشتراكاً وقرئ بكسرِ إِنَّ على الابتداءِ {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأبكى} أي هو خلقَ قُوتَي الضحكِ والبكاءِ {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ} لا يقدرُ على الإماتةِ والإحياءِ غيرُه فإنَّ أثرَ القاتلِ نقضُ البنيةِ وتفريقُ الاتصالِ وإنما يحصلُ الموتُ عندَهُ بفعلِ الله تعالَى على العادةِ {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزوجين الذكر والأنثى * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تمنى} تدفقُ في الرحمِ أو تخلقُ أو يقدرُ منها الولدُ من مَنَى بمعنى قَدر {وَأَنَّ عَلَيْهِ النشأة الأخرى} أَى الإحياءَ بعد الموتِ وفاءً بوعدِه وقرئ: {النشاءةَ} بالمدِّ وهي أيضاً مصدرُ نشأَهُ. {وَأَنَّهُ هُوَ أغنى وأقنى} وأعطَى القُنيةَ وهي ما يُتأثلُ من الأموالِ وأفردَها بالذكرِ لأنَّها أشرفُ الأموالِ أو أَرْضى، وتحقيقُه جعلُ الرِّضا له قنيةً {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشعرى} أي ربُّ معبودِهم وهي العَبورُ وهي أشدُّ ضياءً من الغِميصاءِ وكانتْ خزاعةُ تعبدُها سنَّ لهم ذلكَ أبو كبشةَ رجلٌ من أشرافِهم وكانتْ قرِيشٌ تقولُ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم: أبو كبشةَ تشبيهاً له عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ به لمخالفتِه إيَّاهم في دينِهم.
{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأولى} هي قومُ هودٍ عليه السلامُ وعادٌ الأُخرى إرامُ، وقيلَ: الأُولى القدماءُ لأنَّهم أُوْلى الأممِ هلاكاً بعدَ قومِ نوحٍ، وقرئ: {عاداً نِ الاولى} بحذف الهمزةِ ونقل ضمتها إلى اللام و{عادَ لُّولى} بإدغام التنوين في اللام وطرح همزة أولى ونقل حركتها إلى لام التعريف.

.تفسير الآيات (51- 58):

{وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56) أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58)}
{وَثَمُودُ} عطفٌ عَلى عاداً لأنَّ ما بعدَهُ لا يعملُ فيهِ وقرئ: {وثموداً} بالتنوينِ {فَمَا أبقى} أي أحداً من الفريقينِ {وَقَوْمَ نُوحٍ} عطفٌ عليهِ أَيْضاً {مِن قَبْلُ} أي من قبلِ إهلاكِ عادٍ وثمودَ {إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وأطغى} من الفريفينِ حيثُ كانُوا يؤذونَهُ وينفّرون الناسَ عنْهُ وكانُوا يحذرونَ صبيانَهُم أن يسمعُوا منه وكانوا يضربونَهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حتَّى لا يكونُ به حَراكٌ وما أثر فيهم دُعاؤُه قريباً من ألفِ سنةٍ {والمؤتفكة} هي قُرَى قومِ لوطٍ ائتفكتْ بأهلِها أي انقلبتْ بِهم {أهوى} أي أسقطَها إلى الأرضِ بعد أنْ رفعَها على جناحِ جبريلَ عليهِ السلامُ إلى السماءِ {فغشاها مَا غشى} من فنونِ العذابِ وفيه منَ التهويلِ والتفظيعِ ما لا غايةَ وراءَهُ {فَبِأَىّ ءَالاء رَبّكَ تتمارى} تشكُ. والخطابُ للرسولِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ على طريقةِ قولِه تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} أو لكلِّ أحدٍ. وإسنادُ فعلِ التَّمارِي إلى الواحدِ باعتبارِ تعددِه بحسبِ تعددِ متعلقِه فإنَّ صيغةَ التفاعلِ وإن كانتْ موضوعةً لإفادةِ صدورِ الفعلِ عن المتعدد ووقوعِه عليهِ بحيث يكونُ كلٌّ منْ ذلكَ فاعلاً ومفعولاً معاً لكنَّها قد تجردُ عن المَعْنى الثانِي فيرادُ بها المَعْنى الأولَ فقط كما في يتداعونهم أي يدعونهم وقد تُجرّد عنهم أيضاً فيُكتفى بتعدد الفعل بتعدد متعلّقه كما فيما نحن فيه فإن المِراء متعددٌ بتعدد الآلاء فتدبر، وتسمية الأمور المعدودة آلاءَ مع أن بعضها نِقمٌ لِما أنها أيضاً نعم من حيث إنها نُصرة للأنبياءِ والمؤمنين وانتقام لهم وفيها عظاتَ وعِبر للمعتبرين.
{هذا نَذِيرٌ مّنَ النذر الأولى} هَذا إمَّا إشارةٌ إلى القُرآنِ، والنذيرُ مصدرٌ، أو إِلى الرسولِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ والنذيرُ بمَعْنى المُنذرِ، وأياً ما كانَ فالتنوينُ للتفخيمِ ومِنْ متعلقةٌ بمحذوفٍ هو نعتٌ لنذيرٌ مقررٌ له ومتضمنٌ للوعيدِ أي هَذا القرآنُ الذي تشاهدونَهُ نذيرٌ من قبيلِ الإنذاراتِ المتقدمةِ التي سمعتُم عاقبتَها، أو هذا الرسولُ منذرٌ من جنسِ المنذرينَ الأولينَ والأُولى على تأويلِ الجماعةِ لمراعاةِ الفواصلِ وقد علمتُم أحوالَ قومِهم المنذرين وفي تعقيبهِ بقولِه تعالى: {أَزِفَتِ الأزفة} إشعارٌ بأنَّ تعذيبَهُم مؤخرٌ إلى يومِ القيامةِ أي دنتِ الساعةُ الموصوفةُ بالدنوِّ في نحوِ قولِه تعالى: {اقتربت الساعة} {لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله كَاشِفَةٌ} أي ليسَ لها نفسٌ قادرةٌ على كشفِها عندَ وقوعِها إلا الله تعالَى لكنَّه لا يكشفُهَا أو ليسَ لها الآنَ نفسٌ كاشفةٌ بتأخيرِها إلا الله تعالَى فإنَّه المؤخِّرُ لَها أو ليسَ لها كاشفةٌ لوقتِها إلا الله تعالَى كقولِه تعالى: {لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} أو ليسَ لها من غيرِ الله تعالى كشفٌ على أنَّ كاشفةٌ مصدرٌ كالعافيةِ.

.تفسير الآيات (59- 62):

{أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)}
{أَفَمِنْ هذا الحديث} أي القرآنِ {تَعْجَبُونَ} إنكاراً {وَتَضْحَكُونَ} استهزاءً مع كونِه أبعدَ شيءٍ من ذلكَ {وَلاَ تَبْكُونَ} حُزناً على ما فرَّطُّتم في شأنِه وخوفاً من أنْ يَحيقَ بكُم ما حاقَ بالأممِ المذكورةِ {وَأَنتُمْ سامدون} أي لاهونَ أو مستكبرونَ من سَمد البعيرُ إذا رفعَ رأسَهُ أو مغنونَ لتشغَلوا النَّاسَ عن استماعِه من السمودِ بمَعْنى الغناءِ على لغةِ حِميرَ أو خاشعونَ جامدونَ من السمودِ بمَعْنى الجمودِ والخشوعِ كما في قولِ مَنْ قالَ:
رَمَى الحِدْثانُ نِسْوةَ آلِ سَعْد ** بمقْدَارٍ سَمَدْنَ لَهُ سُمُوداً

فردَّ شعورَهُنَّ السودَ بِيْضَاً ** وردَّ وجوهُنَّ البيضَ سُوداً

والجملةُ حالٌ مِنْ فاعلِ لا تبكونَ خَلاَ أنَّ مضمونَها على الوجهِ الأخيرِ قيدٌ للنفيِّ والإنكارُ واردٌ على نَفي البكاءِ والسمودِ معاً، وعلى الوجوهِ الأُولِ قيدٌ للنفي والإنكارُ متوجهٌ إلى نفي البكاءِ ووجودِ السمودِ والأولُ أوفَى بحقِّ المقامِ فتدبرْ. والفاءُ في قوله تعالى: {فاسجدوا لِلَّهِ واعبدوا} لترتيبِ الأمرِ أو موجبهِ على ما تقررَ من بُطلانِ مقابلةِ القرآنِ بالإنكارِ والاستهزاءِ ووجوبِ تلقيهِ بالإيمانِ مع كمالِ الخضوعِ والخشوعِ أي وإذَا كانَ الأمرُ كذلِكَ فاسجدُوا لله الذي أنزلَهُ واعبدُوه.
عن النبيِّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «مَنْ قرأَ سورةَ والنجمِ أعطاهُ الله تعالَى عشرَ حسناتَ بعددِ منْ صدَّقَ بمحمدٍ وجحدَ به بمكةَ شرَّفها الله تعالَى».

.سورة القمر:

.تفسير الآيات (1- 3):

{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3)}
{اقتربت الساعة وانشق القمر} رُويَ أنَّ الكُفَّارَ سألُوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم آيةً، فانشقَّ القمرُ. قالَ ابنُ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُمَا: انفلقَ فلقتينِ فلقةٌ ذهبتْ وفلقةٌ بقيتْ. وقالَ ابنُ مسعودٍ رأيتُ حِراءَ بينَ فلقتَيْ القمرِ. وعنْ عثمانَ بنِ عطاءٍ عنْ أبيهِ أنَّ معناهُ سينشقُّ يومَ القيامةِ ويردُّه قولُه تعالى: {وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} فإنَّه ناطقٌ بأنَّه قدْ وقعَ وأنَّهم قدْ شاهدُوا بعدَ مُشاهدةِ نظائرِه. وقرئ: {وقَدِ انشقَّ القمرُ}. أي اقتربتِ الساعةُ وقدُ حصلَ منْ آياتِ اقترابِها أنَّ القَمرَ قدِ انشقَّ ومَعْنى الاستمرارِ الاطرادُ أو الاستحكامُ أيْ وإِنْ يَرَوا آيةً من آياتِ الله يُعرضُوا عنِ التأملِ فيها ليقفُوا على حقِّيتها وعلوِّ طبقتِها ويقولُوا سحرٌ مطردٌ دائمٌ يأتِي به محمدٌ عَلى مرِّ الزمانِ لا يكادُ يختلفُ بحالٍ كسائرِ أنواعِ السحرِ، أو قويٌّ مستحكمٌ لا يمكنُ إزالتُه وقيلَ مستمرٌ: ذاهبٌ يزولُ ولا يَبْقى تمنيةً لأنفسِهم، وتعليلاً وهو الأنسبُ بغلوِّهِم في العِنادِ والمُكابرةِ ويؤيدُه ما سيأتِي لردِّه. وقرئ: {وإنْ يُرَوا} على البناءِ للمفعولِ منَ الإراءةِ {وَكَذَّبُواْ} أي بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم وما عاينُوه مما أظهرَهُ الله تعالَى على يدِه من المعجزاتِ {واتبعوا أَهْوَاءهُمْ} التي زيَّنها الشيطانُ لهم أو كذَّبُوا الآيةَ التي هيَ انشقاقُ القمرِ واتَّبعُوا أهواءَهُم وقالُوا سحرَ القمرَ أو سحرَ أَعْيُننا والقمرُ بحالِه. وصيغةُ الماضِي للدلالةِ على التحققِ. وقولُه تعالى: {وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ} استئنافٌ مسوقٌ لإقناطِهم عمَّا علَّقوا به أمانيَّهم الفارغةَ من عدمِ استقرارِ أمرِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حسبمَا قالُوا سحرٌ مستمرٌّ ببيانِ ثباتِه ورسوخِه أي وكلُّ أمرٍ من الأمورِ مستقرٌّ أي مُنتهٍ إلى غايةٍ يستقرُّ عليَها لا محالةَ، ومن جُملتِها أمرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فسيصيرُ إلى غايةٍ يتبينُ عندَهَا حقِّيتُه وعلُّو شأنِه. وإبهامُ المستقَرِّ عليهِ للتنبيهِ على كمالِ ظهورِ الحالِ وعدمِ الحاجةِ إلى التصريحِ بهِ، وقيلَ: المَعْنى كلُّ أمرٍ من أمرِهم وأمرِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مستقرٌّ أي سيثبتُ ويستقرُّ على حالةِ خذلانٍ أو نصرةٍ في الدُّنيا وشقاوةٍ أو سعادةٍ في الآخرةِ. وقرئ بالفتحِ على أنَّه مصدرٌ أو اسمُ مكانٍ أو اسمُ زمانٍ أي ذُو استقرارٍ أو ذُو موضعَ استقرارٍ أو ذُو زمانِ استقرارٍ، وبالكسرِ والجرِّ عَلى أنَّه صفة أمرَ، وكلُّ عطفٌ على الساعةُ أي اقتربتِ الساعةُ وكلُّ أمرٍ مستقرٌّ.

.تفسير الآيات (4- 9):

{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9)}
{وَلَقَدْ جَاءهُمْ} أي في القُرانِ. وقولُه تعالَى: {مّنَ الأنباء} أي أنباءِ القرونِ الخاليةِ أو أنباءِ الآخرةِ، متعلقٌ بمحذوفٍ هو حالٌ مما بعدَهُ أيْ وبالله لقد جاءهُم كائناً من الأنباءِ {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} أي ازدجارٌ من تعذيبٍ أو وعيدٍ، أو موضعُ ازدجارٍ على أنَّ في تجريديةٌ والمَعْنى أنَّه في نفسِه موضعُ ازدجارٍ، وتاءُ الافتعالِ تقلبُ دالاً مع الدالِ والذالِ والزَّاي للتناسبِ وقرئ: {مُزَّجَرٌ} بقلبِها زاء وإدغامِها {حِكْمَةٌ بالغة} غايتَها لا خللَ فَيها وهي بدلٌ منْ مَا أو خبرٌ لمحذوفٍ. وقرئ بالنصبِ حالاً منَها فإنَّها موصولةٌ أو موصوفةٌ تخصصتْ بصفتِها فساغَ نصبُ الحالِ عنها. {فَمَا تُغْنِى النذر} نفيٌ للإغناءِ، أو إنكارٌ لهُ. والفاءُ لترتيبِ عدمِ الإغناءِ على مجيءِ الحكمةِ البالغةِ مع كونِه مظنَّة للإغناءِ وصيغةُ المُضارعِ للدلالةِ على تجددِ عدمِ الإغناءِ واستمرارِه حسبَ تجددِ مجيءِ الزواجرِ واستمرارِه، وما على الوجهِ الثانِي منصوبةٌ أي فأيُّ إغناء تُغني النذرُ وهو جمعُ نذيرٍ بمعنى المنذرِ أو مصدرٌ بمَعْنى الإنذارِ.
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} لعلمكَ بأنَّ الإنذارَ لا يُؤثرُ فيهم البتةَ {يَوْمَ يَدْعُو الداع} منصوبٌ بيخرُجونَ أو باذكُرْ. والدَّاعِي إسرافيلُ عليهِ السَّلامُ ويجوزُ أنْ يكونَ الدعاءُ فيهِ كالأمرِ في قولِه تعالى: {كُنْ فَيَكُونُ} وإسقاطُ الياءِ للاكتفاءِ بالكسرِ تخفيفاً {إلى شيء نُّكُرٍ} أي منكرٍ فظيعٍ تنكرُه النفوسُ لعدمِ العهدِ بمثلِه وهو هَولُ القيامةِ وقرئ: {نُكْرٍ} بالتخفيفِ ونكر بمَعْنى أنكر {خُشَّعاً أبصارهم} حالٌ من فاعلِ {يُخْرِجُونَ} والتقديمُ لأنَّ العاملَ متصرفٌ أي يخرجونَ {مّنَ الأجداث} أذلةً أبصارُهم من شدةِ الهولِ وقرئ: {خاشعاً} والإفرادُ والتذكيرُ لأنَّ فاعلَه ظاهرٌ غيرُ حقيقيِّ التأنيثِ. وقرئ: {خاشعةً} على الأصلِ، وقرئ: {خُشَّعٌ} أبصارُهم عَلَى الابتداءِ والخبرِ على أنَّ الجملةَ حالٌ {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} في الكثرةِ والتموجِ والتفريقِ في الأقطارِ {مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع} مسرعينَ مادِّي أعناقِهُم إليهِ أو ناظرينَ إليهِ {يَقُولُ الكافرون} استئنافٌ وقعَ جواباً عمَّا نشأَ من وصفِ اليومِ بالأهوالِ وأهلِه بسوءِ الحالِ كأنَّه قيلَ فماذا يكونُ حينئذٍ فقيلَ يقولُ الكافرونَ {هذا يَوْمٌ عَسِرٌ} أي صعبٌ شديدٌ، وفي إسنادِ القولِ المذكورِ إلى الكفارِ تلويحٌ بأنَّ المؤمنينَ ليسُوا في تلكَ المرتبةِ من الشدةِ {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} شروعٌ في تعدادِ بعضِ ما ذُكِرَ منَ الأنبياءِ الموجبةِ للازدجارِ، ونوعُ تفصيلٍ لها وبيانٌ لعدمِ تأثرِهم بها تقريراً لفحْوَى قولِه تعالى: {فَمَا تُغْنِى النذر} أي فعلَ التكذيبَ قبلَ تكذيبِ قومِك قومُ نزحٍ وقولُه تعالَى: {فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا} تفسيرٌ لذلكَ التكذيبِ المبهمِ كما في قولِه تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبّ} الخ، وفيه مزيدُ تقريرٍ وتحقيقٍ للتكذيبِ وقيلَ: معناهُ كذَّبوه تكذيباً إثرَ تكذيبٍ كلَما خَلاَ منهم قرنٌ مكذبٌ جاءَ عقيبَه قرنٌ آخر مكذبٌ مثلُه.
وقيلَ: كذبتْ قومُ نوحٍ الرسلَ فكذبُوا عبدنَا لأنَّه من جُملتِهم وفي ذِكرِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بعنوانِ العبوديةِ مع الإضافةِ إلى نونِ العظمةِ تفخيمٌ له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ورفعٌ لمحلِّه وزيادةُ تشنيعٍ لمكذبيهِ {وَقَالُواْ مَجْنُونٌ} أي لم يقتصرُوا على مجردِ التكذيبِ بل نسبُوه إلى الجنونِ {وازدجر} عطفٌ على قالُوا أي وزُجِرَ عن التبليغِ بأنواعِ الأذيةِ وقيلَ: هو من جُملةِ ما قالُوه أي هُو مجنونٌ وقد ازدجرتْهُ الجِنُّ وتخبطتهُ.

.تفسير الآيات (10- 14):

{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14)}
{فَدَعَا رَبَّهُ أَنّى} أي بأَنِّي وقرئ بالكسرِ على إرادةِ القولِ {مَغْلُوبٌ} أي من جهةِ قومِي ما لي قدرةٌ على الانتقامِ منْهم {فانتصر} أي فانتقِمْ لِي منُهم وذلكَ بعد تقررِ يأسِه منُهم بعد اللَّتيا والتي فقد رُويَ أنَّ الواحدَ منْهم كان يلقاهُ فيخنقُه حتَّى يخِرَّ مغشياً عليهِ ويقولَ اللهمَّ اغفرُ لقومِي فإنَّهم لا يعلمونَ {فَفَتَحْنَا أبواب السماء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ} منصبَ وهُو تمثيلٌ لكثرةِ الأمطارِ وشدةِ انصبابِها وقرئ: {ففتَّحنا} بالتشديدِ لكثرةِ الأبوابِ {وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُوناً} أي جعلنَا الأرض كُلَّها كأنَّها عيونٌ متفجرةٌ وأصلُه وفجرنَا عيونَ الأرضِ فغُيرَ قضاءً لحقِّ المقامِ {فَالْتَقَى الماء} أي ماءُ السماءِ وماءُ الأرضِ والإفرادُ لتحقيقِ أنَّ التقاءَ الماءينِ لم يكُنْ بطريقِ المجاورةِ والتقاربِ بلْ بطريقِ الاختلاطِ والاتحادِ وقرئ: {المَاءانِ} لاختلافِ النوعينِ و{الماوانِ} بقلبِ الهمزةِ واواً. {على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} أي كائناً على حالٍ قد قدَّرَها الله تعالَى من غيرِ تفاوتٍ أو على حالٍ قدرتْ وسويتْ وهو أنَّ قدرَ ما أُنزلَ على قدرِ ما أُخرجَ أو على أمرٍ قدرَهُ الله تعالَى وهو هلاكُ قومِ نوحٍ بالطُّوفانِ {وَحَمَلْنَاهُ} أي نوحاً عليهِ السَّلامُ {على ذَاتِ ألواح} أي أخشابٍ عريضةٍ {وَدُسُرٍ} ومساميرَ جمعُ دِسارٍ من الدَّسرِ وهو الدفعُ وهي صفةٌ للسفينةِ أقيمتْ مقامَها من حيثُ إنَّها كالشرح لها تؤدِّي مُؤدَّاها {تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا} بمرأى منَّا أي محفوظةً بحفظِنا {جَزَاء لّمَن كَانَ كُفِرَ} أي فعلنَا ذلكَ جزاءَ لنوحٍ عليهِ السَّلامُ لأنَّه كانَ نعمةً كفرُوها فإنَّ كلَّ نبيَ نعمةٌ من الله تعالَى على أمتهِ ورحمةٌ وأيُّ نعمةٍ ورحمةٍ وقد جُوِّزَ أن يكونَ على حذفِ الجارِّ وإيصالِ الفعلِ إلى الضميرِ واستتارُه في الفعلِ بعد انقلابِه مرفوعاً وقرئ: {لَمنْ كَفَرَ} أي للكافرينَ.